إمراءه من طراز خاص

قصة وحكمة 3

بدأت القصة حين قدمنا إلى المنزل ذات مساء، فوجدنا عمر يجلس في الصالون، وإلى جانبه صديقته الشقراء، وكانت تتكئ على صدره العاري، وكان عمر يقبلها ويمسح على شعرها بيد، ويمسك بيده الأخرى كأساً من الخمر..
لم يستطع أمجد أن يتحمل الموقف، فقد هاله أن يرى ابنه لا يقيم وزناً لحرمة المنزل ولا لهيبة الأسرة ولا لقدسية التعاليم الدينية، فارتفعت يده في الهواء تصفع عمر صفعة قوية، أوقعت كأس الخمر من يده..
لم يكن أمجد يبتغي أكثر من إيقاظ عمر، فقد كان يأمل أن ترده تلك الصفعة إلى رشده ودينه، وكان يظن أن الحزم والزجر سوف يعيدان إليه صوابه الذي ابتلعته أمريكا بأجوائها المحمومة..
تلقى عمر الصفعة بسكون وصمت، الأمر الذي جعلنا نظن أنه فهم الرسالة التي تحملها في طياتها، ولكن الحقيقة لم تكن كذلك، فبعد لحظات فقط اتجه عمر إلى الهاتف، واتصل بالشرطة، وأخبرهم بأن والده يعتدي عليه بالضرب، وطلب منهم النجدة..
في بداية الأمر ظننا أنها مزحة ثقيلة من عمر، أراد بها أن يمتص الموقف المحرج أمام صديقته، أو أنه تصرف طفولي ليس إلا..
وعندما سمعنا صوت صافرة سيارة شرطة تقترب من منزلنا، ونظرنا من النافذة فرأيناها تتوقف بجانب المنزل، فيترجل منها شرطيان، ويتوجها نحو منزلنا، أدركنا أنها لم تكن مزحة، وبعد دقائق فقط اقتيد أمجد وعمر، وبعبارة أخرى الجاني والمجني عليه، إلى قسم الشرطة..
لحقت بهما إلى هناك، فرأيت عمر يشتكي للشرطة ضرب أبيه له.. لم أصدق أن هذا هو ابني عمر، فقد كانت ملامحه متبلدة ومشاعره متجمدة، وأحسست به كأن عينيه من نحاس ووجهه من حجر..
كان أمجد يقف أمام الشرطي عاجزاً عن الكلام، فقد سرقت منه المفاجأة الصادمة كل قدرة على التعبير..
لم أجد أمامي بداً من الدفاع عن أمجد، فصحت بالشرطي بلهجة حانقة:
- إنه أبوه.. ألا يحق للأب أن يربي ابنه! لماذا تتدخلون في شؤوننا الأسرية!!
ثم توجهت صوب عمر، وقلت له باستعطاف:
- أخبرهم يا عمر أنه أبوك، وأنه يحبك، وأنه لم يضربك إلا بسبب خوفه عليك من الانجرار فيما لا تحمد عقباه..
أجابني الشرطي بتهكم:
- ألا تعرفين يا مدام أن ضرب الآباء لأبنائهم ممنوع مهما كانت الأسباب، وأنه يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون؟
انتفض أمجد في مكانه، وكأن مقولة الشرطي هذه أيقظته من دهشته وذهوله، فنظر إلى ابننا عمر نظرات حاول أن يشحنها بكل ما يمتلكه من عواطف جياشة، ثم تمتم بصوت متهدج:
- أظن أن ابني عمر سيسقط ادعاءه، ولن يدع أباه يزج في قفص الاتهام، ليحاكم كما يحاكم المجرمون..
هز عمر كتفيه بازدراء، وهو ينظر إلى أبيه بقسوة وحقد، ثم ردد دون تلكؤ أو خجل:
- لا لن أسقط الدعوى، وأنا جاد فيما أقوله، وليكن هذا عبرة لكل أب تسول له نفسه أن يضرب ولده أو يسيء معاملته..
لم أصدق ما سمعته بأذني، فهتفت باستنكار:
- ولكنه أبوك يا عمر.. أبوك..
قاطعني بلؤم:
- كان عليه أن يتذكر ذلك قبل أن يضربني.. أما الآن فلا فائدة من الكلام..
يومها رجعنا أنا وأمجد إلى البيت ونحن نشعر بالغضب واليأس والألم والحنق والأسى، أما عمر فقد تم الاحتفاظ به في مكان بعيد عنا، ريثما تتم المحاكمة ويصدر الحكم، لأنهم حسب قولهم يخشون أن نلحق به الأذى..
لم أستطع النوم في ذلك اليوم المشؤوم.. أفكار عديدة مقيتة استولت على ذهني المصدوم..
تذكرت ما أخبرني به عمر في الأيام الأولى من قدومنا إلى أمريكا:
- تصوري يا ماما.. الأساتذة في المدرسة يلقنوننا أرقام الشرطة، ويخبروننا أن علينا الاتصال بهم إذا تم ضربنا من قبل أمهاتنا أو آبائنا!!
عندها عقبت نوران قائلة:
- ونحن أيضاً يا ماما يعلموننا هذا، ويخبروننا بأن لنا الحرية في أن نفعل ما نشاء، ولو كان هذا على خلاف قناعات أهالينا..
لست أنسى ردة فعل راما الصغيرة آنذاك، إذ رفعت يدها وهزتها أمام وجهي، وهي تتظاهر بالانفعال قائلة:
- ماما.. أنا أحذرك.. إياك أن تضربيني.. وإلا فسأشتكي عليك..
ضحكنا جميعاً لهذه الدعابة، ولم أحملها محمل الجد، ولم أتصور أبداً أن هذا قد يحدث في عائلتي، فقد كنت أعتقد أن أولادي لا يكتالون بكيل هذه التعاليم الفاسدة، لأنني كنت، حسب ظني، أرشدهم وأعلمهم أن الوالدين في شريعتنا الإسلامية لا يعاملون إلا بالتقدير والاحترام والتقديس، وأنهما عندما يقسوان على أولادهما، فإنهما لا يبغيان من وراء ذلك إلا مصلحة أولادهم وفائدتهم.
بعد هذه الحادثة بعدة أيام، كانت المحاكمة الساخرة..
ذهبنا أنا وأمجد إلى المحكمة، وجلس أمجد في المكان المخصص للمتهمين..
وعندما صدر الحكم الجائر بسلب عمر منا وإيداعه لدى السيد فريدز وزوجته، ليصبح ابناً لهما بالتبني، صحت في قاعة المحكمة بلوعة:
- لا يحق لكم أن تأخذوا مني ابني.. فأنا من حملت به، وأنا من ولدته، وأنا من أرضعته وعلمته وربيته..
أجابني القاضي بحدة:
- ولكن زوجك خالف القوانين التي تحرم ضرب الأولاد، ولا بد أن ينال جزاءه..
عقب محامي الادعاء قائلاً بخبث ودهاء:
- على كل حال فإن السيد فريدز وزجته قد تعهدا بأن يكونا والدين صالحين لابنكما، وأقسما الأيمان المغلظة على ذلك..
أردت وقتها أن أرفع صوتي لأقول:
- ما هذه القوانين الخرقاء.. وما هذه الحرية الجوفاء..
ألا تعلمون أن هذه الحرية هي حرية الفوضى والدمار، لأنها تجعل من الابن سيفاً مسلطاً على رقبة والديه، وتقطع أواصر القربى وروح المحبة..
لكن كلماتي تاهت وصوتي اختفى عندما رأيت ابني الحبيب عمر يتوجه صوب السيد فريدز وزوجته، وهو يبتسم ويناديهما:
- أبي.. أمي.. أهلاً بعائلتي الجديدة..
فتحت المرأة ذراعيها، وقالت وهي تضمه إلى صدرها بحنان مصطنع بارد:
- أهلا بك يا جورج.. أنت ولدي الحبيب..
فأحسست بقدمي ترتجفان، وبجسدي يترنح يمنة ويسرة، ثم تهاويت على الأرض مغمى علي
.......🌸🌸...🌸🌸.........
مدونة امرأة من طراز خاص
http://semfonias.blogspot.co.uk/?m=1
👸خدمة امرأة من طراز خاص 👸
بقيادة المدربة والاستشارية الأسرية
🎀 أ.أروى حسين
👈حسابنا على تويتر وفيسبوك وانستجرام📲 @semfonias
👈تليجرام 📲
‏@semfonias4
للانضمام لخدمتنا النسائية
💟التواصل مع المشرفة ام باسل
‪+966 53 573 0504
شاركها في جوجل+

0 التعليقات:

إرسال تعليق